“الحبس الاحتياطي” إجراء قانوني تقوم بموجبه النيابة العامة، باحتجاز شخص مشتبه به أو متهم في جريمة، أثناء فترة التحقيق، أو حتى موعد المحاكمة، وهو إجراء يحمل أبعادًا قانونية وحقوقية مهمة، لتأثيره الكبير على حياة الأفراد وحقوقهم.
“مناقشة تشريعات الحبس الاحتياطي في إطار الحوار الوطني، تعد خطوة مهمة نحو تعزيز حقوق الإنسان وضمان العدالة” كما استهل الدكتور محمد مهران، أستاذ القانون الدولي، حديثه قبل أن يؤكد “أن الحبس الاحتياطي، رغم كونه إجراءً قانونيًا معترفًا به دوليًا، إلا أنه يجب أن يخضع لضوابط صارمة لضمان عدم إساءة استخدامه”.
المعايير الدولية للحبس الاحتياطي
“القانون الدولي – وتحديدًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – يؤكد في مادته التاسعة على أن الحرية هي الأصل، وأن الحبس الاحتياطي يجب أن يكون الاستثناء، والمادة 14 من نفس العهد تنص أيضًا على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة” بحسب “مهران”.
من المهم أن تراعي التشريعات الجديدة المعايير الدولية للحبس الاحتياطي – الحديث مازال لأستاذ القانون الدولي – إذ توضح، قواعد الأمم المتحدة النموذجية الحدود الدنيا لمعاملة السجناء والمعروفة بقواعد «نيلسون مانديلا»، وتؤكد على ضرورة استخدام الحبس الاحتياطي كملاذ أخير، وفقط عندما تكون هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن المتهم قد ارتكب جريمة، وأن هناك خطر حقيقي من هروبه أو تدخله في سير العدالة.
مدة الحبس الاحتياطي
وحول مدة الحبس الاحتياطي بيّن “مهران” أن القانون الدولي يشدد على ضرورة عدم إطالة مدة الحبس الاحتياطي بشكل غير مبرر، إذ أن المادة 9 فقرة 3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن من حق الموقوف أو المحبوس بتهمة جزائية أن يقدم سريعًا إلى أحد القضاة، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه.
توسيع نطاق البدائل
وأكد “مهران” كذلك على أهمية تعزيز بدائل الحبس الاحتياطي، حيث يجب على المشرع المصري النظر في توسيع نطاق بدائل الحبس الاحتياطي، مثل الإقامة الجبرية أو المراقبة الإلكترونية، تماشيًا مع التوجهات الدولية الحديثة في هذا المجال.
ويرى “مهران” أنه من الضروري التأكيد على مبدأ المساواة أمام القانون، وعدم التمييز في تطبيق إجراءات الحبس الاحتياطي، مشددًا على أن المادة 26 من العهد الدولي تنص على أن الناس جميعًا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحقٍ متساوٍ في التمتع بحمايته، بالإضافة إلى أهمية السرعة في إجراءات التقاضي.
إنجاز العدالة حق
“يعد إنجاز العدالة؛ في وقت معقول، حق أساسي من حقوق الإنسان، وهو ما يقتضي أن تتضمن التشريعات الجديدة آليات لتسريع إجراءات التحقيق والمحاكمة، مع الحفاظ على ضمانات المحاكمة العادلة” بحسب أستاذ القانون الدولي.
ويرى “مهران” ضرورة خضوع قرارات الحبس الاحتياطي لرقابة قضائية دورية وفعالة، مع إمكانية الطعن عليها، تطبيقًا للمادة 9 فقرة 4 من العهد الدولي، والتي تنص على “حق كل شخص حُرم من حريته في الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية حبسه”.
والهدف الأساسي من نظام العدالة الجنائية هو تحقيق التوازن بين حماية المجتمع وضمان حقوق الأفراد، ويجب أن تراعي أي تعديلات على تشريعات الحبس الاحتياطي هذا التوازن الدقيق مع الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
أولوية رئاسية للمناقشة
“منحت المصرية بجميع مؤسساتها، وعلى رأسهم مؤسسة الرئاسة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، للحوار الوطني، الأولوية لمناقشة قضية الحبس الاحتياطي، ما يؤكد وجود الإرادة السياسية التي دعمت وتدعم توفير كل سبل النجاح للحوار الوطني، لمناقشة القضية، كونه يشمل جميع طوائف وفئات الشعب المصري، بما يضمن الاستماع لآراء الخبراء منهم كل في مجاله، ويجعله بمثابة جمعية عمومية للشعب المصري” بحسب دكتور سراج عليوه، الخبير القانوني.
وتتبلور معظم تكليفات الرئيس للحكومة الجديدة، حول المواطن، ومن أهم هذه الأولويات طلب استئناف الحوار الوطني، ومناقشة الموضوعات ذات الأهمية، وعلى رأسها ملف الحبس الاحتياطي – الحديث مازال للخبير القانوني – نظراً لما يمثله من أهمية بالغة للمواطنين ويمس جميع أفراد المجتمع، وخاصة بعد أن أطلق الرئيس الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021 والتي تهدف إلى النهوض بكافة حقوق الإنسان في مصر من خلال تعزيز احترام وحماية كافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية المتضمنة في الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية المنضمة لها مصر تحقيقاً للمساواة و تكافؤ الفرص دون أي تمييز.
الخضوع للرقابة القضائية
وأفردت الاستراتيجية محوراً كاملاً منها للحقوق المدنية والسياسية والتي منها تنظيم الحبس الاحتياطي بما يضمن عدم المساس بحقوق المواطنين الدستورية، كما أوضح “عليوة”، مستطردًا: “الحبس الاحتياطي تطور في العالم وأصبح له بدائل عدة أكثر عملية وفعالية وإنسانية وفى نفس الوقت يوفر الكثير على الدولة من نفقات تتكبدها للتنفيذ”.
ويرى “عليوة” أن هناك تدابير عديدة بديلة للحبس الاحتياطي مثل الخضوع للرقابة القضائية أو الالتزام بالبقاء في المسكن مع الخضوع للرقابة الإلكترونية أو حظر ارتياد أماكن محددة أو إلزام المتهم بتقديم نفسه إلى مقر الشرطة في أوقات محددة وغيرها من التدابير فالحبس الاحتياطي يؤمر به فقط في حال تبين من عناصر وظروف واضحة ومحددة وجلية أنه الوسيلة الوحيدة لتحقيق هدفه ولا يمكن تحقيقها بالتدابير البديلة.
استثناء لا يجب توسعه
وتعد مناقشة تشريعات الحبس الاحتياطي في الحوار الوطني، مؤشرًا إيجابيًا لاستثمار نقاش ومطالب مستمرة، بحسب عبد الجواد أحمد، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، عضو مشارك لجنه حقوق الانسان بالحوار الوطني، ورأى أن شروع لجنة الحوار الوطني في العودة إلى جولة جديدة من النقاش حول استثمار سابق المناقشات الذي دارت حول اشكاليات الحبس الاحتياطي والمطالب المستمرة من كافه المشاركين للحوار من ضروري مراجعة نظام الحبس الاحتياطي ومدي توافقه مع الشرعية الدستورية الواجبة، طبقًا للدستور والمواثيق الدولية وكذا ما انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا من مبادئ استقرت عليها .
وجميعها أن الأصل في الحبس الاحتياطي مجرد استثناء لا يجب التوسع فيه.
واختتم عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان حديثه بالإشارة إلى ضرورة الإسراع لخروج مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية إلى النور باعتباره الحل الوحيد للبقاء على اشكاليات متعددة في ظل قانون صادر منذ عام 1937.